المدونة

مقالات المدونة

بداية الاخلاق تبدأ من تربية البيت

بقلم صفاء عبد الحليم، طاقم مدونة صدفة

من المعروف بأن البيت الصالح ينتج تربية صالحة، فشخصية الطفل تبدأ نتائجها تظهر في السنوات الخمس الأولى من العمر حيث تبدأ شخصيته تتبلور وتترعرع في حضانة البيت والأسرة. العوامل الطبيعية في البيت ونوعية التعامل بين أفراد العائلة تشكل عند الطفل صفاتاً وأخلاقاّ تعكس الجو الذي عاش وترعرع فيه مع مرور الوقت.

تلك الصفات والاخلاق تحكم عليه من قبل الآخرين، فالبعض منا تلازمه تلك الصفات طول العمر كيفما كانت، إن كانت من أخلاق حميدة أم من أخلاق رديئة والبعض منا يحاول التخلص من السيئ منها والبعض الآخر ينميها ويكبرها لتصبح الغول الكبير أو الشيطان اللعين ليكون هو العقل المدبر لكل تصرفاتنا وسلوكياتنا.

فمن اكتسب عادة في طفولته ولم يمنع عنها في الوقت المناسب فهو على الأرجح سوف يستمر بها مدى عمره. مثل عادة الكذب أو السرقة أو رمي القاذورات من النافذة. فالاستخفاف في تربية الأطفال من خلال النبع الأساسي في البيت وكيفية تعليم الأخلاق والأدب والنظام والاحترام سيأدّي إلى الاستهزاء في الساحة العامة ومعايير المجتمع في وقت لاحق وحتى إلى إيذاء نفسه وغيره. انصح في هذه الحالة الاستعانة في طبيب نفسي ولا خجل في ذلك.

الكثير منا يحلم ببيت الزوجية وكيف يصنع لنفسه الصورة المثالية لبيته وعائلته وأبنائه، ولكن ليس من السهل أن تتحقق الأحلام إلاّ باختيار الشريك الصح الذي تمنعه نفسه عن القيام بأفعال خاطئة. لذا لا بد أن نعطي أنفسنا الوقت الكامل في فترة التعارف ومنا من يسميها بفترة الخطوبة. يجب أن نتقرب من الشريك من كل النواحي وندرس أخلاقيات ونفسيات بعضنا البعض بتمعن. هكذا نختصر الكثير من العواقب والمشاكل التي يمكن أن تواجهنا فيما بعد. هذه الفترة التجريبية سوف تكشف الكثير من الصفات التي يحملها الشريك. فكل ما علينا هو أن نكون صريحين مع أنفسنا ومع الطرف الآخر، حتى بأسوأ صفاتنا لأنها هي الحقيقة، وإلا سينتهي بنا المطاف بالفشل لاحقا.

مازال هناك فرصة وأمل كبير لتعديل البعض من سيئات أعمالنا، لا تيأس وتظن أن الوقت انتهى وولىّ لتصليح ما هو في داخلنا من دمار آثار معيشة معينة أو ظروف فرضت علينا لنكون بهذه الصفات. هناك دائما المتسع من الوقت لو أردنا التغيير في حياتنا. ولكن قبل أن انتقل إلى مرحلة التغيير أريد ان أقدم نقاط معينة تضع أنفسنا تحت اختبار لنكتشف ما هو حجم تلك التغيرات التي يجب أن نعمل عليها.

هذه بعض الاسئلة التي يمكن أن نطرحها على أنفسنا لنخرج بلمحة سريعة عن شخصيتنا، وكيف يمكننا استخدامها لتعديل البعض من سلوكياتنا وتصرفاتنا منذ اللحظة التي نستيقظ فيها من النوم إلى وقت الخلود إلى النوم.

  • من أنا، أين أنا ومن هؤلاء الذين حولي، ماذا يعنون لي؟
  • هل أنا أب، أُم، زوج، زوجة، رب عمل أو عاطل عن العمل؟
  • ما هو دوري بهذا البيت أو المكتب أو عند الجيران أو في السوق؟
  • ماذا يفترض على أن أفعل حيال أمر ما، أو ماذا يجب أن أفعل لأكون عضوا فعالا في المكان والزمان الذي أتواجد فيه؟

يمكنك أيضا أن تطرح هذه الأسئلة على نفسك قبل الخلود إلى النوم، لتفتح دفتر الحسابات لتكافئ أو تعاقب نفسك على عمل أقدمت عليه اليوم.

  • ماذا فعلت اليوم من حسانات وسيئات؟
  • كيف يجب أن أكافئ نفسي على عملي الجيد لليوم؟
  • كيف يجب أن أُعدل ما صنعت من سيئات في يومي هذا؟
  • كيف أرضي من أغضبت؟

إن إصلاح النفس البشرية ليس بالأمر السهل، بل هو صعب ويحتاج إلى مثابرة ومجاهدة وصدق وإخلاص وقبل ذلك الاستعانة بالله العليم، الذي يعلم ما تخفيه الصدور، فليس العجب فيمن هُلك، ولكن العجب فيمن نجا.

النفس تأمر بالسوء وفي نفس الوقت كل منا لديه محكمته الخاصة به لتعاقبه على شر أفعاله. تلك المحكمة مبنية من أربع حروف ولكن عقابها لا تصفه كل الحروف ضمير. الضمير هو الوحيد الذي يجعل يومك ونومك جميلا أو العكس صحيح. قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور،21]

لو استعملت هذه التجربة في كل يوم ستلاحظ فرقا شاسعا في تصرفاتك ما بين قبل والآن. ستلاحظ بأنك شخص أسعد مما كنت عليه، لأن قلبك ازداد نظافة وذهنك ازداد صفاءً. ستشعر بأن عبئا ثقيلا زال عن ظهرك.

يا ابن آدم اجعل الله رفيق دربك وقلبك في كل الأوقات، لا تتخلى عن امراه صالحة أو زوج صالح بسبب كذبة أنت ارتكبتها، أو تجعل الطرف الآخر يدفع ثمنها معك. لا تظلم شخص احبك وتذكر بأنك في داخلك محكمة تحاسبك. فهناك أسباب عدة للخلافات، وإنما يعود سبب الخلافات والطرق المسدودة بشكل أو آخر إلى الطرق المختلفة في التربية فكل عائلة أو مجتمع وله أسلوبه.