المدونة

مقالات المدونة

متى نتوقف عن التوقعات

بقلم صفاء عبد الحليم، طاقم مدونة صدفة

عندما نتوقف عن التوقعات بعدها فقط يمكن أن تتوقف الصدمات وخيبات الأمل عن ملاحقتنا. تمتلئ الحياة بالأحداث والتجارب الغير المتوقعة. وعلى الرغم من أن التوقعات تُعد من الأمور الإيجابية في بعض الأحيان كونها تساعد المرء وتشجعه على وضع هدف أو أهداف مُعينة بشكل واضح تكون قابلة للتحقق. إلا وأن على المرء أن يُدرك بأن هذه التوقعات غير مؤكدة الحدوث، فالحياة حافلة بالمفاجئات.

التوقعات توجد فقط في المخيلة لا يمكن أن تتعلق آمالنا وأحلامنا عليها. كل منا معرض لأي نوع من الصدمات ولكن أصعبها وأشدها ألماً هي عندما نتعلق بريشة في الهواء بيوم عاصف.

الحياة مليئة بالآمال والأحلام الجميلة، لماذا لا نسعى إلى تحقيق تلك الأحلام التي تشغل جزء كبيرا من حياتنا؟ علينا التخلي عن وهم انتظار الحلول من المحيط الخارجي ووضع أحلامنا وآمالنا تحت رحمة شخص آخر. الحياة لا تستمر على هذا النحو، بل تتطور بالتحدي والإصرار. ففي كثير من الأحيان تكون توقعات المرء بخصوص أمر ما مختلفة تماما عن الواقع. فبعض التوقعات إيجابية والبعض الآخر سلبي، إذا كنت تسعى لتحقيق آمالك وأنت تضع أملا كبيرا على غيرك فهناك خيبة أمل كبيرة تنتظرك. فتغلب على تلك التوقعات قبل أن تتغلب عليك بالخيبات وتذكر بأن الاستعانة بالله وحده لا غيره. فالرب كبير وخلق فينا روح المحبة والقوة لنستعين بهما على تحقيق أحلامنا.

المرأة تحلم والرجل يحلم وكل منا يحلم، ولكن الحلم لا يتحقق من خلال النوم والكسل، بل يجب عليك أن تسير باتجاه طريق تحقيق حلمك. أحد طرق النجاح في تحقيق ما تحلم به، العمل العمل! اجتهد في عملك بغض النظر عن أي نوع العمل. ربما البعض منكم يسأل نفسه ويقول أنا فعلت وعملت ولكن لا نتيجة، بهذه الحالة عليك إعادة حساباتك وأوراقك لترى ما كان الصواب وما هو الذي أوصل بك إلى الفشل أو الهاوية. لنأخذ قصة صغيرة على سبيل المثال عن الحب والزواج ومرحلة الانتقال من حفة الهاوية إلى عش الحب والحنان.

كان يا ما كان... هكذا تعودنا على سرد قصص السابقين. كان هناك بيت سعيد يملئه الحب والحنان والجو العائلي إلى أن حلّ على العائلة المصيبة الكبرى ومرض واحدٌ من الأطفال. مرض الطفل كان مزمنا وعلى ذلك كان الأبوين يترددان بزيارات دائمة على المستشفى، وبعض المرات يذهب مع الطفل أحد الابوين فقط.. ذات يوم وبينما كان الطفل يخضع لفحوصات كان الأب ينتظر في غرفة الانتظار وهو محبط ويتلو القرآن الكريم ويدعو لابنه بالشفاء. دخلت عليه في هذه الأثناء امرأة حزينة هي أيضا من أجل طفلها المريض. بعد ما جلست انهالت بالبكاء مما جعل قلب الرجل يشفق عليها. فسالها ما بالك يا أختي؟ أخبرته عن وضعها وعن مرض ابنها وما كان على الرجل إلا أن يواسيها ببعض الكلمات وأن يدعو لابنها وابنه بالشفاء. مرة بعد مرة من اللقاء بينهم بدأت العلاقة شيئا فشيئا تتقدم وتتطور وأصبحوا يتقابلون بشكل مستمر ويتلهفون إلى اللقاء. يوما ما طلب أن تكون زوجته ووعدها بأن يكون المعين لها في محنتها. وافقت المرأة على الزواج كون وضعها المادي سيئا، فقالت في نفسها إن الله بعثه لي لينقذني ولكن نسيت بأن لديه زوجة وبيتا آخرا يديره. وبعد فترة زمنية شفي طفلها وبقي طفله في المستشفى. لم تعد تترد عليه بحجة أنها لم تعد تستطيع أن تتحمل المستشفى لأنها تربطها بذكريات مؤلمة.

وكانت زوجته الأولى تقوم بكل الأعمال المنزلية والخارجية على أساس مبدأ التعاون مع زوجها الذي يقضي كل وقته بالمستشفى جنب الطفل المريض. كانت زوجته طيبة وحنونة وتخدم البيت والعائلة بكل جهد بينما الزوج وقع في غرام إمراه شيطانة لا تكترث لحاله ولا لحال زوجته أو طفله. يوما ما دخلت زوجته عليه في الغرفة فسمعته يتشاجر مع الثانية وما مضى وقت طويل إلى أن ترك البيت. عاد البيت بعد أيام ليخبرها بالحقيقة وقصته مع الزوجة الثانية. ما أروع ما أجابت به وفي قلبها غصة " أنت لست ملكا لأحد إلاّ لله سبحانه وتعالى فاذهب إن شئت".

فذهب بالفعل ولم يكترث لوضع البيت الذي ينهار وابنه المريض. مرت أيام ومرض الرجل ودخل المستشفى ولم يكن أحد ليزوره، فبقي وحيداً حزيناً. تلك الأوقات كانت مؤلمة مما جعلته يعيد حساباته بما حصل من قبل ولماذا حصل وكيف يمكنه أن يسترد ما خسر؟ فطلب من الرب أن يشفيه ليعود إلى عائلته. بعد معاناة طويلة مع المرض، شفي وعاد إلى بيته ليصلح ما انكسر ولكن لن يدخل البيت إلا لو ترك الشيطان الذي خرب البيت. بالفعل ترك الزوجة الثانية وعاد إلى بيته من جديد خائب الأمل مكسور الجناح، يحاول بكل الطرق أن يعيد ما كان البيت عليه. لولا المعاناة التي مر بها وقام بعدها بجهد كبير، لما كان حصل على السعادة من جديد.

المقصد من القصة بأن الحياة مليئة بالصدف والمفاجئات وأيضا بالتوقعات. ولكن لا تتركوا مجالا لأي مفاجئة أن تلعب دورا ًمهما بحياتكم لتجعل منها لعبة شيطان. الرجل كان يتوقع الحب والحنان من تلك المرأة لأن زوجته تهمله في البيت لأنها دائما منهمكة. ونسى بأن انهماكها أيضا من أجله وأجل بيته. لقد خاب أمله في الزوجة الثانية وخاب أمل زوجته فيه، التي اعتمدت عليه بالمصداقية والمعاونة. ولكن هكذا هي الدنيا كل منا يجب أن يخوض التجارب لكي يتعلم معنى الحياة، صدق من قال الحياة مدرسة ونحن مجرد تلاميذ فيها، امتحان ننجحه وآخر نرسبه. لكن لا تخافوا من التجارب العاقلة ضمن الأدب والأخلاق، لأن التجارب هي من تصنع شخصيتك. وفي عالما هذا عالم التكنولوجيا أصبح كل شيء سهلا وصعبا بنفس الوقت. كل شيء ممكن أن يكون سهل المنال ولكن عواقبه صعبة، فكونوا حذرين من تصرفاتكم وأفعالكم. فكل شيء له ثمن إما بالمكافئة أو بالعقاب وما أشد عقاب من عقاب رب العالمين.